عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج3: تفاصيل تهدئة بيروت واجتماع سرّي لعرفات وأبوجهاد

عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج3: تفاصيل تهدئة بيروت واجتماع سرّي لعرفات وأبوجهاد
 دنيا الوطن - ميسون كحيل

دار حديث وحوار بين القيادة الفلسطينية في إشارة على تعليق وكالة تاس السوفياتية على اتفاق وقف اطلاق النار والذي ظهر وكأن السوفيات لم يكن راضيون عن موقف سوريا منه وترك الفلسطينيون وحدهم ما استدعى ان يطلب ابو جهاد من ابو عمار زيارة السفير السوفياتي للإطلاع منه على حقيقة موقفهم كما ألح ابو الوليد على ضرورة مد المقاومة بالأسلحة من السوفيات لإدامة المعركة وفعلا تم الاتفاق على لقاء السفير السوفياتي . فتحرك ابو عمار وكان الكاتب الشاهد برفقته للقاء السفير السوفياتي وفي السيارة لم يكن في ظل الظروف المحيطة بالحديث لكن عرفات قال عبارة تدل على ضخامة الحدث في هذا اليوم إذ قال : هذا يو لا ينسى يا أحمد.

كان عرفات حالما بالموقف السوفياتي في عام 56 وتوقف العدوان الثلاثي على مصر بعد الإنذار السوفياتي لكن الكاتب كان يرى ان الوضع مختلف هنا والمصالح ايضا مختلفة فاسرائيل تقاتل من اجل نفسها من اجل واشنطن لكن سوريا لا يمكن ان تقاتل لا من اجل نفسها ولا من أجل موسكو..ومع هذا الحديث الدائر وصلوا مبنى السفارة السوفياتية ومع بداية القاء وبعد العناق أخرج السفير ورقة كانت في جيبه وسلمها للمترجم كي يقرأها لأبو عمار وهي رسالة من القيادة السوفيتية إلى أبو عمار ردا على الرسالة التي كان قد ارسلها ابو عمار الى الرئيس السوفيتي والتي لم تكن بحجم التوقعات إدراكا من القيادة الفلسطينية باختلاف الحسابات في مثل تلك الحروب وبينما كان عرفات يستمع للرسالة كان واضحا من مشاهدات الكاتب ان عرفات غاضب بصمت ولكنه بعد ذلك شرح للسفير السوفياتي ما يحدث على الأرض وما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية من خلال رجلها فيليب حبيب وما تخطط له من ضرب القوى الوطنية والتقدمية دون ان يعلق السفير على حديث عرفات!!

ومع انسداد افق الحلول المنطقية للخروج من هذا المأزق ورغم حالة الإحباط وجه عرفات تعليماته إلى كافة القوات لإلحاق اكبر خسائر ممكنة في الجانب الإسرائيلي أملا بالضغط المتاح كما بدأ ابو عمار اتصالات جديدة مع أمين عام الأمم المتحدة آنذاك خافيير بيريز دي كويلار وحيث ابلغه بالتزام منظمة التحرير باتفاق وقف اطلاق النار طالبا منه العمل على ذلك من خلال مجلس الأمن كما وعلى المستوى العرربي فقد اجرى العديد من الاتصالات مع القيادتان السعودية والكويتية طالبا منهم التحرك وبالوسائل الممكنة التي يمتلكها العرب ! فبيروت تُذبح وهم نيام!!!

 الفصل العاشر – الجزء الثالث

بعد ساعتين من الانتظار الثقيل في كراج تلك البناية، أمر أبو عمار بالتحرك، وهو لا يحدد إلا همسا، الجهة التي يقصدها، ولأقرب مرافقيه إليه، دخلنا بناية كبيرة وجديدة ومأهولة بالسكان في برج أبو حيدر، وسمعت أبو عمار يقول لمرافقيه والسائق-بهدوء ، بهدوء.

 وفي الدور الثالث،  وجدنا أبو جهاد ومعه عدد من  المرافقين، وتعانق الرجلان طويلا، وتبادلا التهاني بالسلامة وتندرنا جميعا على الأخبار الكاذبة التي تواصل إذاعة العدو بثها، واتفقنا أن يذيع أبو جهاد بصوته نداء إلى المقاتلين وتم تسجيل الحديث على وجه السرعة وأرسل إلى الإذاعة، وبدأ أبو عمار يكتب بدوره برقية إلى الجميع خارج بيروت، وكنت ألاحظ كم كان حزينا ومجروحا، وهو يعبر عن مرارته في كلمات يحرص أبو عمار جيدا، ألا يجرح من يريد أن يجرح وألا يكشف من يريد أن يكشف تواطؤه وتخاذله، وقبل أن يسلم النداء الخاص بالمقاتلين، والتعميم إلى عامل جهاز اللاسلكي، ألقيت عليهما نظرة سريعة، وقلت له عندما سألني عن رأيي فيها:  يا أبو عمار هذا ليس خطابا لمؤتمر دولي أو تهنئة لرئيس حتى أساعدك، أنت الآن محاصر من الجهات الأربع، ومن المهم أن تصل كلماتك أنت، لمن هم خارج الحصار.

 وكان أبو عمار يخجل من هذا الإطراء لأسلوبه وكلماته، ويردد قولة المعتاد - يا أحمد، أنا لست كاتبا.

 وعلى ضوء الشموع في بيت أبو جهاد، أخذنا نتدارس الوضع الخطير بعد قصف مواقعنا ومقراتنا في بيروت الغربية، وخاصة بعد أن أعلن شارون أن اتفاق وقف النار لا يشمل الفلسطينيين.

 وسمعت أبو عمار يقول: يا إخوان، المؤامرة كبيرة، وأكبر مما كنا نتصور، وأكثر من طرف عربي ودولي ضالع ومتواطئ ضدنا. 

وفي تلك اللحظة، ناولت أبو عمار نص تعليق « تاس» السوفياتية على اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يقول: إن اتفاق وقف النار بالشروط المرفقة به يساوي ترك المدنيين تحت رحمة القذائف الإسرائيلية».

وعلق أبو عمار على هذا النص بقوله: إن السوفيات غير راضيين عن قبول دمشق باتفاق وقف النار، وتركنا وحدنا نواجه العدوان.

 قال أبو جهاد: يا أبو عمار لماذا لا تزور السفير السوفياتي وتطلع منه على حقيقة موقفهم، فهم دولة كبرى ولديهم اتصالاتهم المباشرة مع الأميريكان؟

 قال أبو الوليد: ونحن نحتاج من السوفيات إلى سلاح لإدامة المعركة، وقد يكون الوقت مناسبا لطلب أسلحة لآلاف المتطوعين الذين يتدفقون على مراكزنا في سوريا والبقاع.

 وكان أبو الوليد يكتب وأبو عمار وأبو جهاد يستذكران أنواع الأسلحة والذخائر المطلوبة. وأذكر أنني تدخلت في موضوع الأسلحة، وقلت لأبو عمار: قواتنا موجودة في طرابلس وفي الشمال، وميناء طرابلس تحت تصرفنا، فلماذا لا نطلب «تلك الصواريخ من الاتحاد السوفياتي»

قال أبو عمار: الأسطول السادس يحاصر جميع شواطئ لبنان، ولا أعتقد أن السوفيات يفكرون بالتحرش بالأميركيين في المتوسط، هناك فقط جهة واحدة تسمح للسوفيات بالتدخل غير المباشر في الحرب، وهذه الجهة هي سوريا، وكما تعرف فسوريا تتعرض مثلنا للعدوان ، هناك حسابات أخرى لدى القيادة السورية لا أعرف مراميها في هذه اللحظة.

 وتم الاتفاق في تلك الجلسة، على ضرورة عقد لقاء عاجل بين أبو عمار والسفير السوفياتي ولو في ساعة متأخرة من الليل، لمعرفة حدود الموقف السوفياتي من العدوان الإسرائيلي ومن الحماية الأميركية السافرة عسكريا وسياسيا.

وأذكر أن أبو عمار قال: الحرب الآن هي حرب أميركية بجيش إسرائيلي وهذا ما يجب أن يعرفه السوفيات.

وقد مرت عدة اتصالات بين أبو عمار وأبو إياد ومحسن إبراهيم ونايف حواتمة لدعوة القيادة المشتركة إلى الاجتماع في بيت وليد جنبلاط، بهدف تصليب الجبهة الداخلية. وتقرر أن يذهب أبو جهاد لحضور هذا الاجتماع، أما العميد أبو الوليد فقال أنه سيدعو القادة العسكريين إلى الاجتماع في مقر عمليات»35» أو «61» أو ربما في مقر آخر.

أما أبو عمار فقد استبقاني بجانبه لمقابلة السفير السوفياتي بمعيته.

 بيروت خالية من الناس، والشوارع مظلمة وموحشة، و» المحروسة» تقطع أزقة برج أبو حيدر باتجاه مار الياس حيث السفارة السوفياتية، ومن بعيد أصوات القذائف تهدر في الجبال ومناطق الدامور والجية وخلدة، وهناك حرائق في منطقة المطار دخانها يملأ السماء. 

في السيارة، لم يكن الوقت ملائما لتبادل الأحاديث مع أبو عمار، ولم يكن من عادتي أن أفرض عليه الحديث، كنت أفضل دائما أن أستمع إليه، وإذا وجدت أن من المفيد أن أتدخل برأي أو بمعلومات؛ أقدمها بإيجاز شديد.

 قال: هذا يوم لا ينسى يا أحمد.
 قلت: الحمد لله على سلامتك.

 قال: الأعمار بيد الله، وردد آية قرآنية « قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». 

وكان أبو عمار يعتقد أن لديّ اهتماما خاصا بالموقف السوفياتي، يجعلني على اطلاع به.

وفي الحقيقة، فإن أبو عمار، كان يغفل عن عمد الاعتبارات الموضوعية التي تحكم الموقف السوفياتي ويقول: في عام 56 توقف العدوان الثلاثي على مصر بفعل الإنذار السوفياتي الذي وجهه بولغانين لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وقلت: في ذلك الوقت جمعت مصلحة مشتركة  الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي للقضاء على آخر مواقع الاستعمار القديم، أما اليوم فالمواجهة سوفياتية - أميركية، وتتفوق واشنطن على موسكو عبر الحلفاء المحليين، إن تل أبيب تقاتل من أجلها ومن أجل واشنطن، أما دمشق فهي لا تقاتل لا من أجلها ولا من أجل موسكو.


دخلنا مبنى السفارة على أضواء مصابيح اليد، وكان « أندريه» يستقبل أبو عمار أمام  الباب الداخلي، وصافحناه، ثم سار بمحاذاة أبو عمار إلى الطابق السفلي في البناية، وفي آخر الممر، كانت هناك غرفة صغيرة لا تتسع لأكثر من أربعة أشخاص يجلس فيها السفير وزوجته والمترجم.

 كان جو الحرب مسيطرا على السفير وطاقم السفارة وبعد المصافحة والعناق على طريقة أبو عمار، جلسنا في الغرفة الضيقة. 

السفير سولدانوف، سوفياتي حميم في هدوئه وضبط مشاعره وانفعالاته، وقد تجنب بإصرار، الدخول في مساجلة حول العدوان مع أبو عمار، حتى لا يقدم آراءه الشخصية، ورأيته يخرج رسالة من جيبه ويطلب من المترجم أن يترجم الرسالة فقرة فقرة لأبو عمار.

 الرسالة كانت موجهة لأبو عمار من القيادة السوفياتية ردا على الرسالة العاجلة التي وجهها أبو عمار للرئيس بريجنيف قبل أيام.

 وكانت الرسالة تأكيدا سوفياتيا جديدا لبيان وكالة «تاس» الذي صدر بعد العدوان بيومين، ونحن كنا نتوقع إنذارا سوفياتيا قاطعا للمعتدين الإسرائيليين. ولكن أحلامنا لا تتفق والواقع، وهذه هي المأساة الحقيقية للثورة الفلسطينية، دائما يحيط بها الأعداء من كل جانب، وبينها وبين أصدقائها المسافات والأعداء والحسابات.

لقد تساءلت في تلك اللحظة عن دائرة الموت المحيطة بالشعب الفلسطيني، ولقد كان الوقت متأخرا لعمل أي شيء لأن المهم هو التفكير بالوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه وحولنا أنياب زرقاء، هذه كارثة محققة، من الحلم بتغيير هذا العالم، إلى الموت تحت ضربات طغاته، هذا تلخيص حزين للصعود والموت الفلسطيني.

أذكر أن « أبو عمار» كان يصغي بانتباه شديد للرسالة السوفياتية، وكان يكتب بدفتره الصغير العبارات والفقرات بيد قوية، كمن يريد أن يفرغ شحنة غضب صامت بالضغط على القلم والورق. 

بعد انتهاء الرسالة قال أبو عمار بعد أن طلب نقل شكره للرئيس الصديق يريجنيف على مواقفه: هذه حرب أميركية مئة بالمئة، وخسارة هذا الموقع هي خسارة لكل القوى التقدمية والمحبة للسلام. 

وشرح أبو عمار للسفير السوفياتي الأوضاع الإسرائيلية وقال: هناك إجماع في الكنيست الإسرائيلي على احتلال جنوب لبنان لعمق 45 كم، وقد وقع الخلاف بينهم عندما اجتازت القوات الإسرائيلية هذه المسافة، ولهذا فجنرال الحرب على بيروت لم يعد شارون، بل فيليب حبيب. وقال بتأكيد قوي جديد: فيليب حبيب هو المايسترو. 

سجل السفير السوفياتي ما سمعه من أبو عمار دون أن يعلق بشيء يشفي الغليل.
 
وفي طريق عودتنا كان القصف يشتد والقذائف تتساقط من حولنا، وأبو عمار صامت لا يتكلم، وبدا كل شيء مسدودا في وجوهنا، وليس لدينا أوراق جديدة تضغط على العدو لوقف الهجوم على بيروت ولكن اليأس لا يعرف طريقا لقلب أبو عمار أو لعقله، فهو مستعد حتى وهو يسمع كلمة « لا» أن يثابر في إقناعك حتى تقول جملة تخفف « اللا».

 في تلك الليلة لم ينم أبو عمار، وظل يشغل طاقة العمل لديه طوال ساعات الليل، فعلى الصعيد العسكري بذل المستحيل لإيقاع أكبر عدد من الإصابات في صفوف العدو على محور خلدة -الدامور- عرجون وفي تلك الساعات التاريخية المليئة بالدماء، سقط (163) شهيدا على هذا المحور وفي الأوزاعي لوقف الاندفاع الإسرائيلي بعد موافقة دمشق على وقف النار.

 وعلى الصعيد السياسي، أيقظ أبو عمار دي كويلار من نومه، لتبليغه مذكرة جديدة من م.ت.ف حول تقيدنا باتفاق وقف النار، طالبا تدخلا فوريا لمجلس الأمن.

أما عربيا فلم يترك أبو عمار مسئولا سعوديا أو كويتيا ينام تلك الليلة، بل جعلهم جميعا يقضون ليلتهم معه في بيروت التي بدأ حصارها يشتد، ناقلا لهم أولا بأول كل التحركات الإسرائيلية، وأرقام الخسائر، ومواقع القصف طالبا من الجميع التحرك لكبح العدوان إن لم يكن عسكريا، فبالوسائل الأخرى التي يملكها العرب.

عرفات - حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبد الرحمن "الفصل العاشر ج2" : عندما قال أبو عمار .. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

عرفات حياته كما أرادها : متى ولماذا قال أبو عمّار "العرب نائمون" ؟
عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات